الخيبة ليست ضربة جزاء… بل منظومة تحتاج مراجعة

حجم الخط:

مرة أخرى، تتبخر أحلام التتويج بلقب إفريقي في كرة القدم النسوية، وهذه المرة على أرض المغرب، بعدما انحنت لبؤات الأطلس أمام القوة البدنية لنيجيريا في نهائي كأس إفريقيا للأمم ، وبين مشهد ضربة جزاء أثارت الكثير من الجدل، وحالة الانهيار البدني المفاجئ للاعبات المنتخب الوطني، تبرز الحقيقة التي لا مفر منها: الهزيمة ليست وليدة لحظة، بل نتيجة لسياق كامل يجب قراءته بعقلانية ومسؤولية.

الاحتجاج على القرار التحكيمي المرتبط بضربة الجزاء الملغاة، رغم أحقيته، لا يجب أن يحجب عنا جوانب أخرى أكثر عمقًا. الحكمات استندن إلى “السلطة التقديرية” في اللجوء إلى تقنية “الفار”، وقرّرن بشكل غريب العدول عن قرارات كانت قد بَدَت واضحة، لكن الحقيقة الأهم هي أن منتخبنا الوطني انهار بدنيًا وذهنيًا في شوط المباراة الثاني، بعد بداية قوية ومثالية في النصف الأول من اللقاء.

لا يمكن تعليق كل أسباب الإخفاق على تأخر التغييرات التي قام بها المدرب خورخي فيلدا، فالمشكلة تتجاوز قرارات “الكوتشينغ” إلى عناصر بنيوية تتعلق بتركيبة المنتخب ، المعدل العمري المرتفع للاعبات، وتراجع الجاهزية البدنية مع مرور الدقائق، كانت من بين الأسباب المباشرة في عدم قدرة المنتخب على مجاراة النسق التصاعدي لنيجيريا.

المعضلة الثانية، التي تتكرر منذ سنوات، تكمن في الفارق البدني والفسيولوجي بين اللاعبات المغربيات ومنافساتهن من دول إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تبرز القوة في الالتحامات والسرعة والتمركز والتعامل مع الكرات الهوائية والثابتة، وهي عوامل تفرض حضورًا بدنيًا عاليًا لا يكفي فيه الالتزام التكتيكي وحده.

الحديث عن بلوغ النهائي للمرة الثانية يُعد مؤشرًا مشجعًا، لكنه لا ينبغي أن يتحول إلى غطاء للتستر على أوجه القصور التي ظهرت بوضوح، سواء على مستوى التكوين، أو على صعيد تدبير اللياقة البدنية، أو حتى في ما يخص التهييء الذهني للمباريات الحاسمة.

كرة القدم النسوية في المغرب، ما زالت في طور البناء، وكل ما تحقق حتى الآن هو ثمرة دينامية حديثة العهد، مقارنة بتجارب إفريقية رائدة كنيجيريا، التي راكمت عشرات الألقاب ولديها قاعدة صلبة من اللاعبات ونظام تكوين منتج.

الهزيمة أمام نيجيريا لا تعني نهاية المشروع، بل ينبغي أن تكون نقطة انطلاق جديدة، عنوانها الواقعية في التشخيص والاستمرارية في التطوير، علينا أن نستغل الشهور القليلة الفاصلة عن النسخة المقبلة من الكان، والتي ستُلعب مجددًا في المغرب، لمراجعة التشكيلة وتجديد دمائها بلاعبات شابات أكثر جاهزية، مع التركيز المكثف على الجانب البدني، لأنه ببساطة: إفريقيا لا ترحم من لا يملك القوة.

0 تعليقات الزوار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع

اترك تعليقاً