اللقب الإفريقي الذي عاد به المنتخب الوطني المحلي من كأس أمم أفريقيا للمحليين “الشان”، لم يكن ثمرة صدفة أو حظ عابر، بل نتيجة عمل جماعي، وإصرار على تحويل كل الصعوبات إلى قوة دفع. ففي كرة القدم، عندما تنتهي المنافسة برفع الكأس، يسقط الحديث عن الهفوات، ويبقى فقط البحث في أسرار النجاح من أجل صيانة التجربة والبناء عليها.
رغم أن المنتخب تجمع في آخر لحظة، ورغم أن لاعبيه جاؤوا من عطلة صيفية دون جاهزية كافية أو انسجام مسبق، إلا أن ثلاثة مرتكزات صنعت هذا الإنجاز الاستثنائي.
أولها المدرب طارق السكيتيوي، الذي أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه ابن وفيّ لكرة القدم المغربية، لكنه أيضا مطعّم بخبرة أوروبية راكمها كلاعب محترف ومدرب محنك. هذا المزيج مكنه من فهم خصوصيات اللاعب المحلي، وإيجاد الوصفة التكتيكية التي تستخرج مؤهلاته. الأسلوب الذي اعتمده السكيتيوي – القائم على اللعب الجماعي، التمريرات القصيرة، واللمسة الفنية – أعاد للكرة المغربية هويتها وذاكرتها الاحتفالية.
ثاني المرتكزات، شخصية اللاعبين أنفسهم. لقد تحرروا من الصورة النمطية التي طاردت “أبناء البطولة” لسنوات، فأبانوا عن روح عالية، وانضباط جماعي، وقدرة كبيرة على العودة في أصعب اللحظات. كان حضورهم القتالي دليلا على أن البطولة الوطنية قادرة على إنجاب عناصر قادرة على تمثيل المغرب بجدارة.
أما ثالث العناصر، فهو العمل غير المرئي للطاقم التقني والطبي، وفي مقدمته المعد البدني حسن لوداري. هذا الرجل قدم درسا بليغا في كيفية تجهيز اللاعبين لماراثون قاسٍ: 35 يوما من السفر بين بلدان إفريقية، مناخ رطب، مباريات متتالية، وضغط بدني ونفسي هائل، ومع ذلك لم تظهر علامات العياء على العناصر الوطنية. تجربة لوداري في إفريقيا ومع منتخبات مختلفة جعلت منه أحد أبرز نقاط قوة هذا المنتخب، وهو نموذج حي يطرح سؤالا: لماذا نبحث عن كفاءات أجنبية في هذا التخصص بينما بيننا من يملك التجربة والحنكة والنتائج الملموسة؟
إن التتويج في “الشان” لم يكن غاية في حد ذاته، بل رسالة قوية موجهة إلى القائمين على المنتخب الأول: إذا كانت هذه العوامل الثلاثة – مدرب كفؤ، لاعبين منضبطين وموهوبين، وإعداد بدني علمي – قد قادت منتخبا محليا إلى الذهب، فما الذي يمنع تكرار الوصفة نفسها على مستوى “الأسود” في أكبر البطولات القارية والدولية؟
إنجاز طارق السكيتيوي ولاعبيه وطاقمه ليس مجرد لقب يضاف إلى الخزانة، بل خارطة طريق ينبغي أن يُبنى عليها مشروع منتخب أول بروح البطل.
0 تعليقات الزوار