عمرو البوطيبي / هبة سبور
في كل إنجاز كروي عظيم، هناك أسماء تلمع في الأضواء، وأخرى تعمل في صمت لتصنع الفارق من الخلف. من بين هؤلاء، يبرز اسم إسماعيل باعوف، المدافع المغربي الشاب الذي تحوّل إلى أحد مفاتيح تتويج “أشبال الأطلس” بكأس العالم للشباب، بفضل نضجه التكتيكي وروحه القتالية العالية.
من شوارع بلجيكا إلى المجد مع المغرب
وُلد إسماعيل باعوف في بلجيكا، ونشأ في أحياء شعبية بمدينة شارلوروا، حيث كانت الكرة هي الحلم والملاذ. لفت أنظار كشافي نادي شارلوروا وهو في العاشرة من عمره، فانضم إلى أكاديميتها وتدرّج بين فئاتها السنية، قبل أن ينتقل في سن السادسة عشرة إلى أندرلخت، أحد أكبر أندية بلجيكا.
لكن مسيرته هناك لم تدم طويلاً، إذ قرر النادي الاستغناء عنه، لينتقل إلى نادي كامبور الهولندي في الدرجة الثانية، حيث بدأ يثبت موهبته من جديد بثبات وإصرار.
قرار الانتماء.. شجاعة الهوية
لعب باعوف عشر مباريات مع منتخب بلجيكا تحت 16 سنة وسجل هدفين رغم كونه مدافعاً، وهو ما يعكس قدراته الهجومية المميزة.
غير أن المنعطف الحقيقي في مسيرته جاء في أكتوبر 2024، عندما اتخذ قراراً شجاعاً بالعودة إلى جذوره واختيار تمثيل منتخب المغرب، رغم محاولات بلجيكا للاحتفاظ به. قرار لم يكن سهلاً، لكنه عبّر عن ارتباطه العميق بهويته المغربية وإيمانه بأن انتماء القلب لا يُشترى.
أرقام تتحدث عن نفسها
في كأس العالم للشباب، كان إسماعيل باعوف أحد أبرز عناصر الدفاع المغربي.
•نفّذ 46 استخلاصاً ناجحاً، ليصبح ثاني أكثر لاعب قطعاً للكرات في البطولة.
•حصل على ركلة جزاء حاسمة أمام فرنسا، ساهمت في تأهل المغرب إلى النهائي.
•كما قدّم تمريرة حاسمة صنعت أول أهداف المغرب أمام الأرجنتين في النهائي التاريخي.
نضج قبل الأوان
ما يميز باعوف ليس فقط قوته الدفاعية، بل هدوؤه في التمركز وقدرته على اتخاذ القرار في لحظات الضغط. سواء بالكرة أو بدونها، أظهر نضجاً تكتيكياً كبيراً جعله بمثابة “المدافع العاقل” وسط صخب المباريات الكبرى.
كان يقرأ اللعب، يوجّه زملاءه، ويُغلق المساحات قبل أن تتكوّن الهجمات، في مشهد يعكس فهماً عميقاً للعبة ونضجاً يتجاوز عمره.
الجندي المجهول
في الوقت الذي خطف فيه الهجوم الأضواء، ظلّ إسماعيل باعوف يعمل في صمت، يجسد روح التضحية والانضباط التي ميزت هذا الجيل الذهبي.
إنه نموذج للاعب الذي لا يبحث عن العناوين، بل يكتبها بعرقه وجهده فوق المستطيل الأخضر.
ختاماً، يمكن القول إن تتويج المغرب بكأس العالم للشباب لم يكن ليكتمل لولا بصمة هذا المدافع الهادئ الصلب، الذي اختار الوطن عن قناعة، وصنع المجد بتواضع وإصرار.
0 تعليقات الزوار