أطلق الحارس المصري السابق عصام الحضري في لحظة غير موفّقة، شرارة مقارنة غير مبررة بينه وبين الحارس المغربي المتألق ياسين بونو، ليجد صدى تصريحاته طريقه سريعًا إلى وسائل الإعلام المصرية التي سارعت إلى تبني نفس الخطاب، دون أدنى مساءلة أو مراجعة.
وهكذا تحوّلت زلة رأي إلى حملة إعلامية كاملة، تحمل في طيّاتها الكثير من الاستعلاء وقليلًا جدًا من الموضوعية.
كان من المنتظر أن تتعامل وسائل الإعلام المصرية مع تصريحات الحضري بنوع من النضج المهني، وأن تنبّهه إلى أن المقارنة في غير محلها، خاصة في ظل التوهج الكبير الذي يعرفه بونو مع الهلال السعودي في كأس العالم للأندية، بعد تألقه في مونديال قطر وتتويجه بلقب الدوري الأوروبي مع إشبيلية.
لكن العكس هو ما حصل، حيث انخرطت المنابر المصرية في موجة دفاع أعمى عن الحضري، وتحولت إلى منصات للمقارنة القسرية بين مسيرتين مختلفتين زمنًا وسياقًا وواقعًا.
في الوقت الذي تعيش فيه الكرة المغربية واحدة من أزهى فتراتها التاريخية، كان من الطبيعي أن تحظى تجربة ياسين بونو بالإشادة، لا سيما بعد أن أصبح أحد أبرز حراس العالم، وحصل على جوائز مرموقة وشرف تمثيل إفريقيا والعرب في أكبر المحافل الدولية. غير أن هذا النجاح المغربي لم يرق لدوائر إعلامية مصرية، فاختارت بدل المشاركة في الفرح الإفريقي العربي الانخراط في حملة تقزيم لا تخدم أحدًا.
انطلقت الحملة مباشرة بعد تألق بونو مع الهلال السعودي في كأس العالم للأندية، بالتزامن مع خروج الأهلي المصري من الدور الأول، رغم كل الدعم الإعلامي الذي حظي به وُصف خلاله بـ”كبير إفريقيا”.
وبدل التقييم الهادئ والتشخيص العقلاني لأسباب الإخفاق، قررت بعض وسائل الإعلام الهروب إلى الأمام واختراع “خصم وهمي” هو بونو، لتفتح باب المقارنات غير المجدية.
من مانشستر إلى القاهرة.. فرق في التعاطي الإعلامي
في أوروبا، خرج مانشستر سيتي وبايرن ميونخ من نفس البطولة، ولم نرَ الإعلام الإنجليزي يقارن بين غوارديولا وإنريكي، ولا الإعلام الألماني يمجد في نوير على حساب كورتوا. فالمقارنات هناك تُبنى على أرقام ومنافسات حقيقية، لا على مشاعر جريحة أو محاولات فرض الهيمنة الإعلامية.
لكن في القاهرة، المشهد مختلف: مقارنة عبثية، حملة بلا سبب، وإصرار على فرض الحضري كأفضل حارس إفريقي في التاريخ، وكأن المجد القاري يُحتكر ببطاقة هوية أو بشريط ذكريات.
بونو في عيون العالم.. لا في مرآة المقارنات
المفارقة أن بونو نفسه لم يطلب المقارنة، ولم يصرح بأي شيء يستفز الآخر. تصريحاته دائمًا هادئة ومليئة بالاحترام، لكنه وجد نفسه هدفًا لانتقادات لا علاقة لها بما يحدث في الملعب.
الحقيقة أن بونو اليوم هو ثمرة مشروع مغربي جاد في التكوين الرياضي، جعل من حراسة المرمى مركزًا لتألق مستمر، لا حالة استثنائية.
وإذا كان الإعلام المصري ما زال يراهن على التاريخ فقط، فإن الإعلام العالمي يحتفي ببونو كنجم معاصر يُصنع اليوم، بالألقاب، والتألق، والعمل المستمر، لا بالحنين وحده.
الإعلام المصري.. دعوة للمراجعة
بدلاً من تمجيد الماضي وتوزيع صكوك “الأفضلية التاريخية”، كان الأجدر بالإعلام المصري أن يُحلل إخفاقات الأهلي، ويحتفي بنجاحات الآخرين كجزء من نجاح القارة.
وكان أولى بعصام الحضري أن يفتخر بما يقدمه بونو، باعتباره امتدادًا لصورة الحارس الإفريقي القادر على منافسة الكبار عالميًا.
التهجم على بونو لم يرفع من قيمة الحضري، بل أظهر هشاشة في الخطاب الإعلامي المصري، ورغبة في فرض التفوق عبر الميكروفون لا عبر الملعب.
إن كرة القدم الحديثة تُدار بالنتائج، بالمهنية، وبالرؤية. ونجاح بونو، اليوم، ليس فقط إنجازًا مغربيًا، بل هو فخر إفريقي وعربي.
ومن أراد المقارنة، فعليه أن يُقارن بالأرقام، لا بالعاطفة. والأفضلية لا تُمنح بالتاريخ فقط، بل تُثبت في كل مباراة، وكل تصدٍ، وكل بطولة.
0 تعليقات الزوار