ادريس دحني
في زمن لم يكن فيه للكرة المغربية صوت أعلى من هدير المدرجات، كنا نذهب إلى الملعب بحثًا عن الانتماء، لا عن لقطةٍ نُظهر فيها حضورنا .. واليوم، ونحن على مشارف كأس إفريقيا 2025، لا بد من دق ناقوس الخطر لأن ملاعبنا بدأت تفقد روحها.
لم تعد مدرجات الكرة في المغرب – خاصة في المباريات الكبرى أو تلك التي تهم المنتخب الوطني – تفيض بذلك الجنون الجميل الذي تعوّدنا عليه، فقد تحوّلت الساحات التي كانت تضجّ بالأهازيج والطبول والأعلام العملاقة إلى مساحات “مؤقتة” لابتسامات مؤثّري المنصات ولقطات الستوري، بينما تذوب حرارة التشجيع وسط فلاشات الهواتف وعدسات المؤثرين .
والمرعب حقًا هو أن المشهد لم يعد عفويًا، حيث أن كثيرين ممن يحتلون اليوم أفضل المقاعد لم يصلوا عبر بوابة الشغف، بل عبر دعوات خاصة ورموز نفوذ رقمية، فتحوّلت التذاكر إلى هدايا، والمقاعد إلى مكافآت، تُمنح بناءً على عدد المتابعين، لا بناءً على عدد الكيلومترات التي يقطعها المشجعون من مختلف مدن المملكة لحضور المباراة.
خارج الملاعب، يقف أولئك الذين باعوا قمصانًا من أجل تذكرة، أو سافروا ليلًا على أمل نيل مقعد، لكنهم يُقصَون لصالح “نجوم المنصات”، الذين لا يعرف بعضهم أسماء التشكيلة الأساسية، ولا يُميز بين خطة 4-3-3 وخط المونتاج الذي يستخدمه في برنامجه.
نتذكر جيدًا كيف أن الجمهور المغربي كان اللاعب رقم 12 في مونديال قطر ، حيث لم يكن مدفوعًا بالكاميرات، بل بالإيمان، عندها شجّع بقلوب مفتوحة وصدور تهتزّ مع كل صافرة , ليلهم اللاعبين ويدوي صداه في كل القارات.
واليوم، نخشى أن ندخل كأس إفريقيا بأرواحٍ تائهة في المدرجات، لا تعرف متى تُصفّق ومتى تصرخ، لأن أولويتها التوثيق لا التفاعل، والتقاط “اللحظة” لا صناعتها.
ولا اعتراض هنا على حضور المؤثرين، لكن لا يجب أن يصبحوا البديل عن الجمهور الحقيقي. ومكانهم في الحدث يجب ألا يكون على حساب من أصحاب الشغف فعلاً ، فالتشجيع ليس وظيفة مؤقتة، بل هو امتداد لهوية، وعشق لا يُشترى بإعلانات ممولة.
ورسالتي للمسؤولين هي أنقذوا المدرجات, لا تفرغوها من أصحابها الحقيقيين. لا تُحوّلوها إلى ديكور خافت يخدم الصورة ولا يخدم الأداء. لا تستهينوا بصوت الجمهور الحقيقي… لأنه إذا غاب، ستغيب معه كلّ حرارة اللعبة.
فقد تكون الكرة للجميع، نعم… لكن المدرجات يجب أن تظل لأهلها. لمن يحفظون النشيد عن ظهر قلب، ولمن يصرخون من قلوبهم، لا من ميكروفوناتهم وعبر سطورياتهم … آن الأوان لنعيد الكرة إلى من صنع مجدها… إلى الجمهور.
0 تعليقات الزوار